🧠 المقال الأول
"الإنسان المصري بين السقوط والانكسار: دراسة تحليلية في طبيعة السلوك المنحرف"
🔬 مقدمة:
عندما ننظر في سلوكيات المجتمع المصري اليوم، يبدو أن هناك فوضى أخلاقية شاملة:
سلوك عدواني، تدنٍ في الذوق العام، ضعف في الضمير، اختفاء التعاطف، ازدياد الغش، كذب متبادل، وتراجع في مفاهيم الرجولة والشهامة.
لكن السؤال الأهم ليس: لماذا أصبح الإنسان المصري سيئًا؟
بل: هل هو فعلًا سيئ؟ أم أنه "مكسور" داخليًا؟
هل الفساد سلوك أصيل؟ أم نتيجة لتراكم طويل من الانكسارات النفسية والاجتماعية والتربوية؟
🧩 أولًا: فهم الفرق بين "السقوط" و"الانكسار"
-
السقوط: يعني أن الشخص قرر التخلي عن القيم، وأصبح يمارس الشر بكامل وعيه وربما يفتخر به.
-
الانكسار: يعني أن الشخص ما زال في داخله بعض القيم، لكنه غير قادر على ممارستها، بسبب ضغط الواقع أو تشوه التربية أو شعور عميق بالعجز أو الخوف.
كثير من المصريين اليوم ليسوا أشرارًا... بل ضعفاء، ومُنهكين، ومشتتين.
🧠 ثانيًا: العوامل النفسية التي شكّلت هذا الإنسان المنكسر
1. التربية الغامضة
-
الطفل يسمع من أمه: "ما تكذبش يا حبيبي"
ثم يسمعها تكذب على الهاتف: "قوله إني مش هنا" -
الأب يطلب من ابنه أن يكون رجلاً، وهو نفسه غير موجود نفسيًا.
-
التوجيه داخل الأسرة قائم على الأوامر العشوائية، لا على بناء الضمير.
النتيجة: الطفل يتعلم القيم كلامًا… لكنه يعيش عكسها واقعًا. فيكبر مشوشًا.
2. الخوف كوسيلة تنشئة
معظم التربية في المجتمع المصري تعتمد على التخويف:
-
"ما تعملش كده عشان ربنا هيعاقبك"
-
"ما تتكلمش كده قدام الناس"
-
"الناس هتقول علينا إيه؟"
وليس:
-
"ما تعملش كده لأن ده غلط"
-
"ما تعملش كده لأنها ضد الرحمة"
-
"ما تعملش كده لأنها ضد كرامتك"
النتيجة: شخص يتحرك بـ"الرادار الاجتماعي" وليس بـ"البوصلة الأخلاقية".
3. انفجار الضغوط وتراكم القهر
-
ارتفاع الكلفة النفسية للفضيلة
-
انتشار القدوة المنحرفة
-
هشاشة العلاقة بين الجهد والنتيجة
-
قلة فرص النجاح النظيف
الإنسان الذي لا يرى طريقًا للنجاح الشريف، إما ينكسر… أو يتحول لوحش.
🔎 ثالثًا: هل الإنسان المصري ميّال للفهلوة والانحراف بطبعه؟
لا.
لكن هناك نمطًا نفسيًا شائعًا في الشخصية المصرية يمكن فهمه وتفكيكه:
💡 "الشخصية الانفعالية الدفاعية":
-
حذرة: تتوقع الخداع قبل أن تثق.
-
ساخرة: تسخر لتتقي شر الحقيقة.
-
متحايِلة: تتعامل مع القواعد كمجرد حواجز مؤقتة يمكن التلاعب بها.
-
مُنهزمة داخليًا: تخاف أن تكون طيّبة في مجتمع قاسٍ، فتلعب دور القاسي.
هذا ليس انحرافًا خلقيًا، بل ميكانيزم دفاعي لتجنّب الألم.
🧬 رابعًا: هل هناك أمل في استعادة الإنسان؟
نعم، لكن بشروط:
-
فهمه نفسيًا لا إدانتُه أخلاقيًا فقط
-
تحريره من الخوف والازدواجية في التربية
-
بناء بيئة يشعر فيها بالأمان ليكون إنسانًا جيدًا دون أن يُستغل
🧭 خاتمة:
الإنسان المصري ليس بلا أخلاق، ولكنه مُنهك ومُنقسم… بين ما تعلمه نظريًا، وما اضطر أن يفعله عمليًا.
والحل لا يكمن فقط في التوعية أو القوانين، بل في إعادة بناء العمق التربوي والنفسي الداخلي.
📌 تمهيد للمقال التالي:
في المقال القادم سننتقل إلى فهم طبقات المجتمع المختلفة:
"سيكولوجية الطبقات: لماذا تختلف الأخلاق من حي شعبي لبرج راقٍ؟"
وكيف تؤثر الطبقة، البيئة، وطريقة النشأة على نوعية الضمير والسلوك.
تعليقات
إرسال تعليق