🎓 المقال الخامس
"التعليم الذي لا يُعلِّم: كيف أصبح النظام التعليمي حاضنةً للفوضى الأخلاقية؟"
(تشريح نفسي–تربوي لأزمة انهيار الأخلاق في المدرسة والجامعة)
🔍 مقدمة:
لماذا يُغادر الطالب المصري المدرسة وقد نسي قيمة الصدق، بينما يحفظ قوانين نيوتن؟
ولماذا يتخرج من الجامعة وهو لا يعرف مَن هو، لكنه يجيد استخدام "تشات جي بي تي"؟
هل كان من المفترض أن يصبح التعليم أداة "لبرمجة عقول على الحفظ والطاعة"، أم كان عليه أن يُنمي إنسانًا حرًّا، ضميره حيّ؟
هذه الأسئلة ليست فلسفية، بل وجودية،
لأن سقوط الأخلاق يبدأ من الطفولة، من الفصول، من طريقة المعاملة داخل المؤسسات التعليمية.
🏫 أولًا: المدرسة كمُنتِج للشخصية المقهورة
1. العقاب العشوائي يقتل الضمير
-
طفل يخطئ بلا قصد، فيُعاقب بفظاظة.
-
طفل يتملق المدرس، فيُكافأ بلا استحقاق.
النتيجة؟ الطفل لا يتعلّم "العدل"، بل يتعلم الخوف والتلون.
2. نظام الدرجات يقتل القيمة
-
يُقاس الطالب بما يكتبه، لا بما يفهمه.
-
لا أحد يُقيّم "الأمانة" أو "الإبداع".
-
الغش يُغفر… لو تم بطريقة ذكية.
التعليم هنا يعلّم الطفل أن النجاح أهم من الأخلاق.
3. المدرسة لا تربي على الانتماء
-
لا يُشرح للطلاب لماذا نحب هذا الوطن.
-
لا تُناقَش الأخلاق كقيم إنسانية عليا.
-
لا يُدرَّب الطفل على اتخاذ القرار أو قول "لا" بأدب.
المدرسة تُخرج طلابًا مطيعين، لا أحرارًا.
🎓 ثانيًا: الجامعة كمسرح للضياع الأخلاقي
1. لا أحد يسأل: ما معنى أن أكون إنسانًا؟
-
الجامعة تزرع الطموح الوظيفي…
لكنها لا تزرع البوصلة الأخلاقية. -
الطالب يرى أساتذته يتغاضون عن الغش،
أو يتعاملون بكِبر ولامبالاة،
أو يبيعون "المذكرات".
الطالب يتعلّم: القوة أهم من الحق، والمكانة تغني عن القيمة.
2. التيه بين "التدين الشكلي" و"التحرر المزيف"
-
فريق يغرق في القشور الدينية بلا جوهر.
-
وفريق يظن أن الانفلات هو التحرر.
🎯 لا أحد يقدّم لهم رؤية "تربوية روحية ناضجة"
ولا قدوة أخلاقية حقيقية.
فتنشأ شخصيات هشّة… تعيش ازدواجية، وتُخفي قلقها خلف الضجيج.
💔 ثالثًا: منظومة التعليم تصنع "الانفصال القيمي"
📌 ما معنى الانفصال القيمي؟
أن يتعلم الطفل أو الشاب المعلومة بلا قيمة مرافقة لها.
مثلًا:
-
يدرس "الصدق" في نصٍ أدبي، لكنه يغش في الامتحان.
-
يقرأ "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت"، ويغش في المشروع الجماعي.
التعليم هنا يزرع النفاق: يقول شيئًا ويفعل عكسه.
🚫 رابعًا: لماذا فقد التعليم هيبته؟
1. الانحدار الاقتصادي
-
المدرس الفقير، الذي يُهان،
يصعب عليه أن يربّي أجيالًا تعرف كرامة الإنسان.
2. السطوة الإدارية على العقل التربوي
-
القرارات تُفرَض من فوق،
ولا يُراعى فيها رأي المعلم أو الواقع التربوي.
3. غياب الرسالة الروحية للتعليم
-
التعليم في جوهره يجب أن يربّي الإنسان لا أن "ينجّح الطالب".
لكن اليوم، الهدف هو مجرد تخريج "شخص يؤدي وظيفة".
🧭 خاتمة:
المدرسة والجامعة لم تعُد فقط مكانًا للتعليم،
بل أصبحت أداة لصناعة الإنسان المكسور أو المنفصل عن ذاته.
فلا عجب أن نرى جيلًا كاملًا:
-
يعرف كيف يكتب مقالًا… لكنه لا يعبأ بالصدق.
-
يعرف كيف يُجامل… لكنه لا يعرف كيف يقول "أنا مخطئ".
وإذا لم تبدأ ثورة أخلاقية داخل الفصول…
فستبقى كل الثورات خارجها مجرد زينة خاوية.
📌 المقال القادم:
"الحداثة السائلة: كيف صارت أخلاق الطبقات العليا عرضًا فاخرًا في ساحل بلا روح؟"
نحكي فيه كيف انحرفت شرائح من النخبة نحو الحداثة المستوردة،
وتحوّل الساحل الشمالي من مصيف… إلى مختبر لانهيار المعنى.
تعليقات
إرسال تعليق