القائمة الرئيسية

الصفحات

الحداثة السائلة: عندما تنفصل النخبة عن الجذور

 


🎩 المقال السادس

"الحداثة السائلة: عندما تنفصل النخبة عن الجذور"

(تشريح نفسي–اجتماعي لانهيار القيم في طبقات الرفاه والانفتاح)


🧠 تمهيد:

في زحام الحفلات الساحلية، وأزياء العواصم الأوروبية، والأغاني "المستوردة بلا ترجمة"،
برز نمط جديد من الإنسان المصري:
"الإنسان المعلّق بين الحداثة والتقليد"،
يرتدي الحداثة، لكنه لم يُهضِم معناها…
يتحرر من القيم، لا لأنه فهمها، بل لأنه سئم منها دون أن يراجعها.


🧬 أولًا: من هم "الحداثيون الجدد"؟

لسنا نتحدث عن مثقفين تنويريين…
بل عن طبقة اجتماعية جديدة، نشأت من رحم:

  • الرفاه المادي المفاجئ (ثروات غير مؤسسة على إنتاج معرفي أو قيمي)

  • والانفتاح التكنولوجي بلا تأصيل للهوية

  • والتقليد الأعمى للنماذج الغربية

هذه الطبقة وجدت في الساحل الشمالي مسرحًا…
وفي "السوشيال ميديا" جمهورًا…
وفي "التحلل من القيم" بطلاً.


🧠 ثانيًا: سيكولوجية هذه الطبقة

1. الاغتراب عن الذات

  • لا يعرف من هو إلا من خلال "ما يملكه" أو "ما يُشاهَد به".

  • يشعر بأنه حر، لكنه في الواقع أسير المقارنة والاستهلاك والمظاهر.

يعيش في جسد مصري، لكن بعقل معلب على الموضة.


2. الرفض القهري للماضي

  • يرى في كل ما هو "تراثي" شيئًا بدائيًّا يجب التخلص منه.

  • يربط بين التخلّف والدين، وبين القيم والتأخر.

🎯 لكن هذا الرفض لا ينبع من "فهم"، بل من رغبة في التخلص من المسؤولية الأخلاقية.


3. الهروب من المعنى

  • لا يريد أن يسمع عن الموت، أو عن حدود، أو عن القيم.

  • يُغرق نفسه في الضجيج، والمتعة، والمبالغة في الظهور.

لأن الداخل هش، والضمير مؤجل، والهوية محل نزاع.


🎭 ثالثًا: مظاهر الانهيار الأخلاقي

1. الاحتفاء بالمجون على أنه "تحرر"

  • تُمارس الألفاظ النابية علنًا وتُعرض كأنها جرأة.

  • تُصور الممارسات الجريئة وتُروّج كأنها "عادي جدًا".

🎯 هذا "التحرر" ليس نابعًا من فلسفة، بل من غياب الضابط الأخلاقي واستسهال الانبهار.


2. المظهرانية كبديل للقيمة

  • الهوية تُختزل في "الماركة"، والمكان الذي تقضي فيه عطلتك، ومن تلتقط معهم الصور.

القيمة الحقيقية تُمحى لصالح الصورة…
المهم: أن تظهر… لا أن تكون.


3. احتقار الطبقات الأخرى

  • النظر للفقراء باعتبارهم "أقل وعيًا" أو "غير متحضرين".

  • يسخرون من اللهجة، ومن التدين الشعبي، ومن البساطة.

🎯 دون أن يدركوا أن بعض هؤلاء يحمل أنقى ما تبقى من بوصلة المجتمع الأخلاقية.


🔍 رابعًا: أسباب هذا الانحراف

1. التعليم الذي لا يُربّي

كما شرحنا في المقال السابق،
هذه النخبة مرت بمؤسسات تعليمية انفصلت عن الغاية الإنسانية.


2. الثروة دون مسؤولية

  • تراكم المال بلا تعب، بلا علم، بلا مشروع.

والنتيجة؟ المال يتحول إلى وسيلة لتدمير الذات، لا لبنائها.


3. الفراغ الوجودي

  • لا قضية، لا رسالة، لا معنى.

فيملؤون هذا الفراغ بالضجيج، والمظاهر، واللذة المؤقتة.


🧭 خامسًا: العلاج لا يبدأ باللوم

لسنا هنا للّوم أو الشتم.
بل للفهم والتشريح.

🎯 هذا الانهيار هو نتيجة لفقدان مشروع جامع للهوية، ولغياب التربية الروحية الجامعة.

  • لا بد من إعادة تقديم "القيم" بصورة ناضجة وعصرية، لا تلقينية.

  • لا بد من صناعة قدوة تجمع بين الرقي والضمير.

  • لا بد من فتح مساحات آمنة للحوار بين هذه الطبقة وباقي طبقات الشعب، دون ازدراء أو عداء.


🧩 خاتمة:

الساحل الشمالي ليس المشكلة…
هو فقط مرآة للانفصال القيمي الذي تعيشه نخبتنا الجديدة.

والمشكلة ليست في الحداثة…
بل في حداثة لم ننتجها نحن، بل استوردناها ولبسناها على جلدٍ لم يعد يعرف من هو.

وإذا لم تستفق هذه الطبقة،
وإن لم تجد مشروعًا يُعيد ربطها بالجذور،
فسيأتي يوم… لا تجد فيه مكانًا لا على الأرض ولا في التاريخ.


تعليقات