🌍 المقال الرابع
"الناس بتقول إيه؟ كيف يصنع المجتمع ضميرًا مشوّهًا؟"
(تحليل سيكولوجي لسُلطة الجماعة وأثرها على الأخلاق في مصر)
🎯 مقدمة:
"أنا مش وحش، كل الناس كده!"
"يعني أنا اللي هصلّح الكون؟"
"ما هو أصله كله ماشي بالواسطة..."
جُمَل بنسمعها يوميًا،
وربما قلناها إحنا نفسنا في لحظات ضعف.
لكن، خلف هذه العبارات البسيطة،
تكمُن أكبر ماكينة تهدم الضمير الفردي:
الجماعة الاجتماعية التي تُعيد تعريف الخير والشر… مش على أساس المبدأ، بل على أساس ما هو شائع ومتداول.
في هذا المقال، نغوص داخل عقل المواطن،
لنرى كيف يبرر لنفسه الإنحراف،
وكيف تتحول الفضيلة إلى "سذاجة"،
والفساد إلى "شطارة".
👥 أولًا: المجتمع كمُشكِل للضمير
🔬 ما هو "الضمير" أصلًا؟
علم النفس يعرّف الضمير (Conscience) بأنه:
"الصوت الداخلي الناتج عن تفاعل القيم التي غُرست فينا مع البيئة التي نعيش فيها."
يعني مش مجرد شيء فطري،
بل هو قابل للتشكيل والإضعاف والطمس،
خاصة لما تتكرر الضغوط الاجتماعية التي تعيد تعريف "ما هو مقبول".
🧠 التجربة الكلاسيكية: "ستانلي ميلغرام"
قام ميلغرام بتجربة جعل فيها أشخاصًا يضغطون زرًا يعطي صدمة كهربائية لمتطوع (وهمي)، فقط لأن "السلطة" طلبت منهم ذلك.
🔎 النتيجة:
أغلب المشاركين استجابوا، حتى لو شعروا أن ما يفعلونه خاطئ.
💡 الخلاصة:
الناس لا تتبع ضميرها… بل تتبع ما تعتقد أنه "المقبول اجتماعيًا".
📉 ثانيًا: سيكولوجية المجتمع المصري في تبرير الفساد
1. التطبيع مع الخطأ
-
الغش في الامتحان؟ كل الناس بتغش.
-
الرشوة؟ معلش علشان المصلحة تمشي.
-
الكذب؟ نكذب علشان ما نخسرش.
النتيجة: الحق أصبح استثناء، والباطل أصبح "أسلوب حياة".
2. سخرية المجتمع من الملتزم
-
المتدين يُوصف بـ"المتشدد".
-
الأمينة تُسمى "مش فاهمة الدنيا".
-
الشريف يُتهم بأنه "عامل نفسه ملاك".
الضمير السليم لا يجد حاضنة اجتماعية… بل يُحاصر.
3. الطبقية القيمية
-
الأغنياء "يحق لهم" التجاوز لأنه "معاه فلوس".
-
الفقير "مضطر يسرق" لأنه "مظلوم".
-
الطبقة الوسطى "تتقلب حسب الموجة".
المجتمع يعيد صياغة معيار الأخلاق حسب المكانة الاجتماعية، مش القيم الثابتة.
🔥 ثالثًا: ساحات التجريف القيمي
📺 1. الإعلام:
-
تطبيع العلاقات خارج الزواج
-
تبرير الخيانة كـ"حرية"
-
تصوير الشريف كـ"فاشل"
الإعلام يُعيد برمجة الناس على اللاخجل.
📱 2. السوشيال ميديا:
-
التريند هو الحُكم
-
من يُهاجم الخطأ يصبح هدفًا للتنمر
-
لا أحد يسأل: "هل هذا حق؟" بل فقط: "كام لايك جاب؟"
🏫 3. المدرسة والجامعة:
-
الغش منظّم ومسموح
-
العقاب ممنوع
-
التقدير للأكثر "فهلوة" مش للأجدر
الطالب بيتخرج من المنظومة وهو مؤمن إن "اللي يمشي جنب الحيط هيفضل محلك سر".
🔁 رابعًا: الانحراف كـ"مقاومة" للضعف الشخصي
أحيانًا، الانحراف مش سببه الشر، بل سببه:
-
الإحباط: من الإصلاح
-
الخوف: من النبذ
-
الرغبة: في الانتماء
فيلجأ الإنسان إلى التكيف بدلًا من التغيير،
ويتخلى عن ضميره لينجو لا ليصلُح.
🧭 خاتمة:
الإنسان خُلق على الفطرة،
لكن المجتمع هو اللي بيكتب على هذه الفطرة كل يوم.
وإذا لم نقم بثورة صامتة، فردية، لاستعادة ضمائرنا من قبضة الجماعة…
سنستمر في تربية جيل كامل يرى الخير "غباء"،
ويرى الشر "ذكاء".
📌 المقال القادم:
"التعليم الذي لا يُعلِّم: كيف أصبح النظام التعليمي حاضنةً للفوضى الأخلاقية؟"
فيه هنحلل كيف تحوّلت المدارس والجامعات من مؤسسات بناء… إلى محاضن لتفكيك الهوية،
وكيف ساهم التعليم في تفريغ العقل من القيم، بدعوى التحديث والنجاح.
تعليقات
إرسال تعليق